_____
تجربة الشورى مهددة
في الوقت الذي بنى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - تجربة الشورى في البلاد بشكل متدرج بما يتواكب مع تطور المجتمع، وحرصه الشديد على أن تعكس القيم العمانية الأصيلة، وتوفير كل المقومات التي تمهد للبيئة المناسبة لممارسة العملية الشورية من خلال مجلس عمان، إلا أنه على ما يبدو نحن نمضي في الاتجاه المعاكس للطموح السامي لهذه التجربة من خلال الممارسة غير اللائقة لهذه التجربة، وما تثيره من مخاوف في المستقبل على هذه التجربة التي ولدت لكي تتطور وليس لتموت، مما سيؤثر بالطبع على تركيبة المجلس التي نتطلع أن تكتسب في كل فترة قوة تمكنها من المشاركة الإيجابية في تحمل المسؤوليات الوطنية، ومشاركة الحكومة في صياغة الغد الذي نتطلع إليه أن يكون مشرقا، ينبغي أن نتدارس التجاوزات التي بدأت تنخر في جسم التجربة الشورية والتي خرجت عن سياقها الطبيعي المفترض إلى متاهات لا نعرف إلى أين سوف تصل بنا، بعد ما ظهرت خلال الفترتين الماضيتين أمور تشوه العملية الانتخابية بأكملها وتعيدنا إلى نقطة الصفر للمزيد من المراجعة لما نحن عليه من أخطاء حان الوقت لتقييمها ومراجعتها وإيجاد كل الآليات لضبط ممارسيها.
فبلا شك إن تجربة الشورى في السلطنة يرعاها جلالة السلطان شيئا فشيئا منذ مجلس عمان للزراعة والأسماك في الثمانينات، إلى ما وصلنا إليه في مجلس عمان من انتخاب مباشر مرورا بالمجلس الاستشاري، وتأكيدات جلالته على أهمية التجربة وتطورها في خطاباته ولقاءاته مع المواطنين كلها تبعث على الارتياح أن هناك توجهات عليا بتأصيل المشاركة السياسية في البلاد على مراحل تأخذ بكل معاني النجاح المفترض أن يكون في مثل هذه التجارب الشعبية في المشاركة، إلا أن ما نشهده من أخطاء في العملية الانتخابية تتمثل في أعمال شراء الأصوات لتحييد العملية الانتخابية عن اتجاهها الصحيح والممارسات الخاطئة التي ترتكب مع ما نسمع ونشاهد تقشعر لها الأبدان في العديد من الولايات، لدرجة تصل المساومات إلى الحصول على من يدفع أكثر، والمزايدات والمراهنات في التنازل والانسحابات عن المنافسات تحت وطأة المال، بل يصل بالبعض إلى توجيه الناخبين إلى وجهات أخرى من خلال تمويه قائدي الحافلات وإغرائهم بالأموال للاتجاه إلى أماكن أخرى لإلحاق الهزيمة بالخصم، وآخرين يقفون أمام المراكز الانتخابية للتأثير على المصوتين، وهناك ممارسات أخرى ربما تصل إلى الجهات المنظمة للانتخابات من جهات أخرى ذات علاقة كمكاتب الولاة واللجان التي يجب الاستفادة منها في تقييم التجربة الانتخابية في البلاد، والوقوف على الإيجابيات منها ومعالجة السلبيات بشكل لا تتكرر مرة أخرى لما تحدثه من شرخ في هذه التجربة وتفرز مجالس وأعضاء لن نتمكن بهم من أن نشارك في صياغة القرار السياسي.
إن إتاحة المشاركة السياسية في صياغة التشريعات والقوانين ومراقبة أداء السلطات التنفيذية من قبل المواطنين تتم من خلال المجالس المنتخبة في كل البلدان، ولكن عندما تتم العملية الانتخابية بهذا الوضعية المتدنية من الممارسة الانتخابية التي تضعضع الثقة في هذه الممارسة والتجربة في نهاية المطاف، قد لا تعطي دفعا قويا لتعزيزها في المستقبل، ولا تمكن المجتمع أكثر من إبداء الرأي أو سماع أصوات مغايرة عن المطالبة الشخصية والمتابعات الرخيصة من أعضاء جاءوا إلى سدة البرلمان من خلال شراء الذمم، والترفع على أكتاف الآخرين.
بالطبع إن الجهود التي بذلت في إدارة الانتخابات كانت جبّارة، والتوعية بأهمية المشاركة الإيجابية التي رفعت شعار "صوتك أمانة" والتنبيهات من كل المنابر الإعلامية والدينية التي شخصت منع وتحريم شراء الأصوات، والتأكيد على الجوانب الدينية والأخلاقية في تحريم شراء الأصوات، لكن للأسف كلها لم تجدِ نفعا في ردع من تسول له نفسه في خلط الأوراق ليصبح العضو من لديه أكثر، وليس مؤهلا وأفضل قدرة على تمثيل المجتمع، فاختلال الموازين التي مالت إلى من يدفع أكثر أصبحت واضحة للجهات المعنية التي عليها إيجاد آليات أكثر ضبطية لمراقبة هذا الداء الذي يتورم من فترة إلى أخرى إلى أن ينفجر في وجه المستقبل في هذا الوطن العزيز على قلوبنا.
نأمل أن لا تمر هذه التجاوزات والمشاهد المأساوية التي شهدتها في أيام الانتخابات مرور الكرام لحماية هذه التجربة من التدهور والتقهقر، وبناؤها كما أراد لها قائد عمان أن تتطور وتتواكب مع نمو المجتمع بكل إيجابية تسهم في مشاركة المواطن الفاعلة في صياغة القرار السياسي، فنحن فرحون بانتهاء العملية الانتخابية بنجاح، إلا أننا لا يجب أن تنسينا تقييم الممارسات المجتمعية السلبية التي صاحبت العملية الانتخابية والتي فرزت لها واقعا جديدا يقول من يدفع سيفوز، وبالتالي سيبتعد الشرفاء والآمنون عنها في الفترات القادمة وستبقى مسرحا للمتسلقين الدافعين والمستلمين لضربة التجربة الشورية في المقتل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق